راجعت مؤخراً تفاصيل كثيرة عن العلاقة بين ارتفاع ضغط الدم والرياضة فوجدت في هذا الصدد معلومات لا يتعلمها الطلاب في كليات الطب، وقليلا ما يتداولها الأطباء مع مرضاهم. فغالبا ما يتناول الطب الحديث الأمراض المزمنة للأسف من منظور العلاجات الكيميائية أكثر من تناولها من خلال أنماط الحياة، وذلك راجع لطبيعة التعليم الطبي. كما أن النشاط البدني ليس علاجاً يباع كخدمة أو سلعة كما تباع الأدوية، لذا لا يجد حماسا لدى المستثمرين في نشره والتسويق له كما تسوق الأدوية.
تنصح الدوائر العلمية مثل المؤسسة الوطنية للتميز السريري في بريطانيا National Institute of Clinical Excellence (NICE) بتغيير النمط المعيشي كخط أول لعلاج مرضى ارتفاع ضغط الدم وليست الأدوية. ويتضمن ذلك التغذية الصحية، والتخلص من الوزن الزائد، وتقليل ملح الطعام في الأغذية، إضافةً إلى ممارسة الرياضات الهوائية والتوقف عن التدخين وعن تعاطي الكحول.
إن ممارسة النشاط البدني للأصحاء يقيهم أصلاً من الإصابة بارتفاع ضغط الدم. كما أن النشاط البدني المنتظم يمكن أن يخفض خطورة الوفاة بنسبة 51% بين من يعاني من ارتفاع ضغط الدم، وهذا التأثير أفضل من كل أنواع الأدوية. كما أن الأثر الذي يحدثه النشاط البدني المنتظم لدى مرضى ارتفاع ضغط الدم أفضل من حيث المدة الزمنية من الأثر الذي تحدثه أدوية ارتفاع ضغط الدم، فتأثير النشاط البدني في خفض ضغط الدم يستمر حوالي 22 ساعة، وبالطبع أ، مدة استمرار خفض ضغط الدك تعتمد على المدة والشدة والانتظام ونوع الرياضة.
إن الانخفاض الذي يسببه النشاط البدني على ضغط الدم كبير نسبياً إلى درجة أن بعض المرضى سيحتاج لتغيير الخطة العلاجية من حين لآخر وذلك تحت إشراف طبي. وقد دلت المتابعات العلمية للعديد من الأبحاث أن خطورة الوفاة لدى مرضى ارتفاع ضغط الدم تقل بإحداث بانخفاض قليل في ضغط الدم الانقباضي (Systolic) (حتى 2 مل) في حين أن الرياضة المنتظمة تخفض ضغط الدم الانقباضي بمقدار يتراوح حول 12مليلمتر زئبقي.
إن أفضل التمارين المؤدية لتخفيض ضغط الدم هي التمارين الرياضية الهوائية التي تقل فيها المقاومة وتوتر العضلات، وعلى رأسها المشي. كما أن تمارين الاستطالة ومرونة المفاصل أيضاً مفيدة وتحسن الأثر على ضغط الدم. ويقدر الحد الذي يوصي به من النشاط البدني للتحكم في ضغط الدم المرتفع يقدر بحوالي 40 دقيقة 3 إلى 4 مرات أسبوعياً، وقد يظهر التحسن بالانتظام حتى بمستويات أدنى من الممارسة. وحتى تمارين المقاومة لو مورست لمدد قصيرة يمكن أن تخفض ضغط الدم المرتفع، إلا أنه ينصح مرضى ارتفاع ضغط الدم بعدم ممارستها بشدة أو لمدد طويلة. وحتى يبدأ الأثر المفيد للنشاط البدني في الظهور قد يحتاج المريض للاستمرار في النشاط ما لا يقل عن 10 دقائق متواصلة.
من الطبيعي أن يرتفع ضغط الدم أثناء الرياضة وذلك بسبب نشاط القلب. وقد يصل الضغط الانقباضي أثناء الرياضة الى 200 مل لكنه ينخفض بعد الرياضة بمقدار يتراوح حول 12 مليمتر زئبقي. وينصح مرضى الأمراض المزمنة وأولئك الذين لم يكونوا يمارسون نشاطاً بدنياً منذ فترة طويلة، ينصحون باستشارة الطبيب قبل البدء. كما ينصح الجميع بالبدء بمعدلات بسيطة من النشاط البدني ترتفع بالتدريج. وقد يحتاج الأمر إلى مدة قصيرة نسبياً تتراوح بين شهر إلى ثلاثة أشهر من النشاط البدني المنتظم لتظهر آثاره على خفض ضغط الدم، ويعتمد ذلك على طول مدة الإصابة بارتفاع ضغط الدم.
أما لماذا المشي من بين الرياضات، فبمراجعة أنواع النشاطات البدنية نجد أن المشي هو الرياضة المثالية من بين بقية الرياضات لأنه "الرياضة الممكنة" ومناسب للجنسين، ولسهولة ممارسته في أي وقت ومكان ولا يحتاج بالضرورة إلى زي أو أدوات أو كلفة أو فريق أو تدريب خاص... كما أن المشي المتواصل من حيث السرعة يحقق معدلاً أكبر اتساقًا لضربات القلب حول معدلات مرتفعة بشكل مناسب مقارنة بالرياضات الأخرى التي يتذبذب فيها ارتفاع وانخفاض ضربات القلب. ولأنه يحرك العضلات الكبرى في الساقين وبالتالي فهو أقل تأثيرا على ارتفاع ضغط الدم أثناء الرياضة مما يحدث في التمارين التي تركز على الذراعين والتي وجد أنها أكبر أثرا في رفع ضغط الدم أكثر من رياضة الساقين.
أما كيف يحسن المشي المنتظم والرياضة ارتفاع ضغط الدم فذلك من خلال تقوية عضلة القلب وبالتالي خفض الجهد على القلب، ومن خلال العمل على توسيع الشرايين الذي يؤدي بالطبيعة إلى استيعاب الضغط ونشره في كل الجسم بدلا من تركيزه على ضغط الشرايين. كما يؤدي المشي المنتظم إلى خفض ضربات القلب أثناء الراحة مما يقلل الجهد على القلب. كما يتحسن ضغط الدم بتخفيف النشاط العصبي التعاطفي (السيمبثاوي) وبتحسين مرونة الشرايين وتخفيض إنزيم الرينين (Rinin) الذي يرفع ضغط الدم. كما ينخفض ضغط الدم من خلال تحسين استهلاك الأوكسجين في جميع أنسجة الجسم، إضافةً إلى أثره في تخفيض مقاومة الإنسولين التي وجد أنها مرتبطة بالمتلازمة الأيضية التي تشمل ارتفاع ضغط الدم..
أفادت بعض الدراسات في بريطانيا أن أقل من 30% من الزيارات التي تحدث لمرضى ارتفاع ضغط الدم يُناقِش فيها الأطباء النشاط البدني مع مرضاهم ضمن الخطة العلاجية. وقد يرجع ذلك إلى ضيق وقت الطبيب، وضعف معلومات الطبيب بالرياضة ومقدار "الوصفة" كل مريض منها. إضافةً إلى أن الدراسات أثبتت أيضاً أن الأطباء الذين لا يمارسون النشاط البدني هم أقل مشاركة في تقديم النصيحة لمرضاهم بممارسة الرياضة
ومن النصائح التي توجه إلى الأطباء الذين يعتنون بمرضى ارتفاع ضغط الدم أن يعرفوا أكثر عن النشاط البدني والصحة، وأن يعملوا على تقيم مستوى نشاط المريض كجزء من التقييم السريري الأولى وفي زيارات المتابعة مع التنبيه إلى التدرج ووفق حالة كل مريض. كما يوصى الأطباء أنفسهم بممارسة النشاط البدني والرياضة.
ودمتم سالمين
د. صالح بن سعد الأنصاري
@SalihAlansari
مستشار الصحة العامة وخبير تعزيز الصحة
المشرف على مركز تعزيز الصحة بالرياض
@SaudiHPC