الأمراض المزمنة، وجدت حلا

  • click to rate

    قصة أبي ياسر وهواة المشي

     

    انتشر المشي كرياضة في المجتمع السعودي كما لم يحدث منذ عشرات السنين. وقد بادرتُ بتأسيس ودعم العشرات من #مجموعات_المشي ضمن مبادرة #مشاة_السعودية وغيرها، وشاركت الكثير من نشاطاتها على مدار السنوات العشر الأخيرة. ولي اطلاع عن قرب على تنوعها وآليات عملها وتأثيرها وفرص تطويرها. وبتُ على يقين من أن مجموعات المشي (التي تتزايد يومًا بعد يوم) نموذج استراتيجي وفعال أظهر جدواه في تعزيز الصحة في المجتمع ومكافحة الأمراض المزمنة بطرق مباشرة وغير مباشرة. وأعتقد أن دعم هذه المجموعات استراتيجية مؤثرة ويمكن استثمارها في هذا المجال الحيوي.

     

    قصة أبي ياسر التي حررتها معه قصة تتكرر مثلها العشرات. وهي نموذج لما تفعله هذه المجموعات، في نموذج يدعو كل مهتم ومسؤول للتدقيق عن قرب في هذه الظاهرة واستثمارها في حل مشكلة الخمول والسمنة وانتشار الأمراض المزمنة، هذه المشكلة المستعصية والآخذة في الانتشار.

     

    اترككم مع القصة.

    يقول عبد الرحمن الراشدي، أبو ياسر (51 سنة): اصطحبني أحد الزملاء لمشاركة مجموعة هواة المشي بالجبيل في رجب من عام 1437 ولم يكن لدي قبل فكرة عن المجموعة ولا أنشطتها، فاستقبلني الأعضاء بكل حب، واطلعت على ترتيباتهم للمشي وجدوله (من الأحد إلى الأربعاء) حيث يمشون بمعدل 6 كلم كل مرة.

     

    كان هدف المجموعة استقطاب المشاركين إلى ما يقدمونه من توعية وتحفيز. كما ينقلون تجاربهم مع المشي لإفادة الآخرين. فقد وجدت منهم النصح والتحفيز، وكان ذلك داعمًا لي على الثبات والاستمرار معهم، فتغلبت على ضعف العزيمة وفشل التجارب السابقة، وانعدام الخبرة والمعرفة في رياضة المشي وانتكاسات العودة كل مرة للسمنة.

     

    في البدء، لم أكن أستطيع المشي كيلومتر واحد دون أن أشعر بالإرهاق والملل، لكني استفدت من تحفيزهم ونصائحهم ودعمهم. فقبل الانضمام للمجموعة لم أكن أمارس أي رياضة ولَم أستمتع بحياتي كما يحب، وقد حرمت الكثير من المتع كاللعب مع الأبناء ومشاركتهم تفاصيل النزهات والترفيه. بل حتى العبادة تأثرت بسبب آلام الظهر، فقد كنت أصلي جالسًا على كرسي أحيانًا.

     

    كان وزني 105 كجم وأعاني من عدة مشكلات صحية. صحيح أنه لم يشخص لدي الإصابة بالسكري، لكني كنت على وشك الاصابة به، إضافة إلى نقص فيتامين د، وضيق في التنفس وآلام في الظهر بسبب زيادة تقوس الفقرات القطنية من العمود الفقري، إضافة للإرهاق والخمول والدوخة والصداع المتكرر قد يكون سببها قلة وصول الاكسجين الى الدماغ كما قال الطبيب الذي نصحني بالمشي، لكني لم أطبق نصيحته.

     

    بعد شهر تقريبا من المشاركة، فقدت من وزني الزائد أكثر من 8 كيلو، فواصلت المشاركة في نشاط المجموعة، ولم أنقطع عن المجموعة إلا لظرف صعب إضافة إلى المشي وحيدا، فتواصل نزول الوزن وصولا الى 90 كيلو مع إكمال أربعة أشهر تقريبا.

     

    كان أكبر تحدٍ واجهته هو الاستمرار ومقاومة التأثير السلبي للمجتمع من حولي. كما مررت بإجازات وسفر، لكنها لم تقطعني عن المشي، فواصلت المشي والنمط الغذائي باهتمام حتى في سفري. وبعد عودتي للمجموعة من الإجازة وخلال 7 أشهر من البدء وصلت إلى 74 كلجم وفقدت حوالي 30 كلجم بفضل الله ثم بفضل مشاركتي المجموعة وأعضائها المحفزين.

     

    لقد كان من أسباب نزول الوزن إضافة إلى الاستمرار في المشي التزامي بالنمط الغذائي، والتحول الذي عشته بعد الفهم الصحيح للتغذية الصحية. فلم ألتزم بالحرمان ولا وصلت إلى الإفراط، بل توازن يستطيع أي شخص العمل به. فقد كنت وببساطة أتناول الافطار والغداء بمشاركة الأسرة، وكنت ألتزم بالتقليل من الأكل بمعدل 20% أقل مما أحتاجه من مختلف الأصناف. أما وجبة العشاء، فكانت خفيفة وصحية وتعتمد على الخضروات والفواكه والزبادي.

     

    لقد كان الفارق الأكبر والتأثير الأهم كان بسبب الانتظام في ممارسة المشي، فمع المشي تحسنت نفسيتي، وزاد حماسي وارتفعت همتي، وكنت أخلو بنفسي في المشي وأتفكر في مشكلات صحتي. كما وجدت أثر المشي في ضبط الشهية وضبط البرنامج الغذائي. فبالمشي أصبحت أعطي الصحة في حياتي ما تستحقها.

     

    أصبح روتيني المعتاد؛ المشي فجرا مسافة 6 إلى 10 كلم، والمشي الاستثنائي في إجازة نهاية الأسبوع. وبفضل الله ثم بفضل مشاركتي مجموعة هواة المشي بالجببل، حققت على مدار عام كامل عدة إنجازات:

    قطع مسافة 36 كلم في أحد نشاطات المجموعة

    قطع مسافة 30 كلم فردي في يوم واحد

    قطع مسافة 40 كلم فردي في يوم واحد

    قطع مسافة 50 كلم فردي يوم واحد

    قطع مسافة 100 كلم في 18 ساعة

    قطع مسافة 300 كلم في 7 ايام بواقع 45 كلم يوميا

    مثلت مجموعة هواة المشي بالجبيل في نصف ماراثون فريق الشرقية للمشي 21 كلم

    شاركت في تحدي 120 كيلو، وتجاوزت مسافة 170 كلم في ثلاثة أيام

     

    ومؤخرا، أسهمت في تأسيس مجموعة مشي جديدة وأشرف عليها، انبثقت من "ملتقى أهالي القنفذة بالشرقية" وهي مجموعة لها زي موحد ويتشاركون فعاليات المشي حضوريا وعن بعد في تطبيق "سترافا" حيث يحرص الجميع على نشر النتائج اليومية والأسبوعية على مجموعة الواتساب للتحفيز والتشجيع. وتضم المجموعة الآن قرابة 20 مشارك يمشون مابين 5 إلى 6 كلم كل على حدة، ويتواعدون للمشي معا كل أربعاء.

     

    أنصح إخواني وأحبابي برياضة المشي، فهي تناسب كل الأعمار من الذكور والإناث، وليس فيها كلفة، وفيها من المتعة والتفكر في خلق الله وما وهبنا من قوة الجسد والعقل، والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير. كما أنصح باختيار مجموعة محفزة لزيادة المتعة والمواصلة والانتظام. ولا يقولن أحد انني مشغول أو كبير في السن أو لا أستطيع، فالمكابرة على الصحة فيها ضرر وخسارة كبيرة. أما من يقول لا أجد الوقت للرياضة فأقول له: سوف تجد إذن وقتا لزيارة الطبيب.

     

    وأقول للمبتدئين؛

     عليكم بالتدرج في مدة المشي والبعد عن الاستعجال والإجهاد، وعليكم بالاستمرار ولو بالقليل. والحرص على البيئة المحفزة التي لديها فهم صحيح متوازن في التغذية والنمط المعيشي. كما أنصح بالتركيز على بناء الرغبة الداخلية، وعلى جعل المشي نمط حياة.

     

    أسأل الله أن أكون صاحب عطاء لنفسي، محتسبا توثيق هذه التجربة عند الله، والله من وراء القصد.

     6 ربيع الأول 1441

    أخوكم أبو ياسر، عبد الرحمن الراشدي

     

    أما أنا، فقد آن أن أتساءل

    • سبق لي أن وثقت العشرات من هذه القصص في حسابي على منصة إكس #قصص_المشاة وغيره من المواقع، فكم قصة ملهمة سطرتها مجموعات المشي؟

    • ماذا سيحدث لو دعمت هذه المجموعات وانتشرت كما ونوعا؟

    • كم يمكن لتطوير المجموعات المشابهة كمجموعات الدراجات والجري وغيره أن يسهم في تعزيز الصحة ًومكافحة الأمراض المزمنة؟

    • كم سيكلفنا تطوير أداء هذه المجموعات المحفزة مقارنة بما تستهلكه الأمراض المزمنة من موارد محسوبة وغير محسوبة؟

    الى غير ذلك من الأسئلة.

     

    ودمتم سالمين

    مستشار الصحة العامة وخبير تعزيز الصحة

    @SalihAlansari

    المشرف على مركز تعزيز الصحة بالرياض

    @SaudiHPC