الصحة لحظة هداية

  • click to rate

    هل تساءلت مرة، ما الذي حدث لفلان فجعله ينتقل فجأة من فوضى التغذية إلى الغذاء الصحي؟ ومن الخمول إلى النشاط؟ ومن السمنة إلى الرشاقة؟
    إليكم بعض القصص:
    •    سعاد: صورة التُقطت لي بين صديقاتي غيرت حياتي.
    •    رشدي؛ "فلم 23 ساعة ونصف "الذي يدعو للمشي نصف ساعة كان سبباً" ويضيف "ثلاثون دقيقة أنقذتني"
    •    ماجد؛ همس أستاذي العزيز د. صالح الأنصاري في أذني "شوف لك حل" وبعدها جاءت البدايات.
    •    العم عبد الله؛ سمعتُ شريط "صحتك في المشي" للدكتور الأنصاري وكررتُ سماعة وكانت البداية.
    •    وديع؛ خرجت من محل الملابس ساخطاً على وضعي لأني لم أجد لباسا بمقاس يناسبني وبعدها...
    •    حسان؛ وُلِد لي مولود بعد فترة بعيدا عن ولادات إخوانه، وُلِد وأنا في عز معاناتي من السمنة، فقلت؛ لمَ يُحْرَمُ طفلي الجديد مما استمتع به إخوته من قبله؟ وهل ستعيقني السمنة عن أن أحمله وأمشي أو ألعب وأجري معه كما فعلت مع إخوته؟ فكانت شرارة البداية.
    •    زينــااا؛ وصلتني إعادة تغريــدة عن المشــي تقول "ابــدأ بما تستطيع، توقف إذا تعبــت، عـد غداً" حولتنــي من مُحِبـة للتسوّق إلى مُحِبة للمشي.
    •    يوسف؛ همس في أذني رجل غريب كان يجلس جواري في المقهى "ما فكرت تخفف وزنك" فكانت البداية.
    •    ريم؛ زرت طبيب عظام، فلم يتعمق كثيراً في مشكلة العظام، بل سألني "معقولة واحدة عمرها 19 سنة وزنها 116 كجم" ثم وجهني إلى جذور المشكلة، فكانت البداية
     
    القصص التي تصف أسباب البداية في طريق الليقة والرشاقة كثيرة، لكن ما قد يجمع بين هذه القصص هو كونها "لحظة هداية"، لحظة كان بالإمكان أن تمر مرور الكرام دون أن تغير شيئا، لكنها أشعلت فتيل الحماس والإصرار على التوجه نحو نمط معيشي صحي، وهي قصص تشبه الكثير من لحظات الهداية الأخرى بما فيها من عفوية وبساطة، إلا أنها صنعت فرقا هائلا. ولو تأملنا تفاصيل هذه القصص لعرفنا كيف تأتي هذه الهداية، ولوجدنا أهم عناصر التوفيق، ولتعلمنا منها أهم عناصر النجاح في تحسين الوعي الصحي بشكل مؤثر في صحة الفرد والمجتمع، ومن هذه العناصر ما يلي: 

    •    سبب هيأه الله تعالى وفتح به من عنده.
    •    شخص أو جهة تحمل صفة الإلهام والإيمان بفكرة تفيد الناس يطرح الله فيها البركة.
    •    استعداد داخلي صادق كان ينتظر التحريك.
    •    بيئة محفزة أسهمت في استمرار الهداية وشحذ الهمة من حين لآخر.
    •    أدوات ووســائل للتوعيــة والتعليــم والتفاعـل تجيب على التساؤلات، وتســدد المسـيرة منطلقة من علم وتجربة.  

      إن هذا التغيير الطوعي أفضل بكثير مما يحدث لأناس تأخرت لحظة إلهامهم وتباطأوا في إحداث التغيير إلى أن وقعت "الكارثة" ثم استفاقوا متأخرين. فكثيرون تركوا التدخين (في يوم وليلة) بعد سنوات طويلة، ولكن بعد أن أصيبوا بجلطة في الدماغ أو القلب، أو بعد أن تسببت مضاعفات التدخين أو إهمال التغذية إلى بتر أحد الأطراف. أو.... أو.... وهذا للأسف وقت متأخر جداً.
    ولأننا لا نعرف متى تأتي هذه اللحظة ولا من قد يوفق لها، ولا من يتلقى لحظة الإلهام هذه بنفس راغبة في التغيير، ولأن الجميع يستحقون حياة ملؤها النشاط واليقظة والوعي والرشاقة واللياقة والصحة الجيدة، فعلى الجميع ممن فرطوا في صحتهم فيما مضى أن يتنبهوا، ويتأهبوا للحظة الهداية وستأتي تلك اللحظة بإذن الله تعالى.
    نقول ذلك لأن هناك الكثير من "عصاة الصحة" الذين يعرفون أن سلوكهم الحالي يؤدي إلى نهايات تشبه ما يحدث لمن حولهم في ظل انتشار الأمراض المزمنة ومضاعفاتها الخطيرة على الصحة. والغريب أن كثيرا من هذه الفئات ليست مرتبطة بمستوى ثقافة الإنسان أو تدينه أو حتى تخصصه من داخل أو خارج الوسط الطبي.
    أما نظام الصحة العامة الذي يستفيد من كل "لحظة هداية" وتغيير إيجابي في السلوك الصحي للأفراد والمجتمعات بتقليص النفقات وتخفيف المعاناة والحد من الفقد والآلام قبل حدوثها، فعليه أن يتساءل؛ 
    •    ما حجم وفعالية ما يقدم من جهود التوعية الصحية في إحداث "لحظة الهداية"
    •    لماذا لا تُفلحُ جهود التوعية الصحية في تغيير الأنماط الصحية المنتشرة نحو الأمثل؟
    •    هل مهارات التواصل الشخصي لدى العاملين في المجال الصحي يمكن تظويرها لإحداث لحظات هداية؟
    •    هل إيجاد المحتوى التوعوي الملائم في التواصل الاجتماعي يمكن أن يساعدنا في التغيير؟
    •    هل يمكن تعديل استراتيجيات التوعية الصحية بما يحدث نقلة في السلوك الصحي؟ 
    •    ما دور البيئات المحفزة في بالبيئة المبنية والنفسية والمجتمعية في تغيير التوجهات والسلوك الصحي؟

    لا ينتظر "لحظة الهداية" هذه إلى أن تحل على المجتمع في يوم وليلة، بل ببذل الجهــد ومتابعة الاهتمام ودراسة التجارب والخبــرات العالميــة الناجحة في تحسين الوعي وتعزيـــز السلوك والنمط المعيشــي الصحــي، فمن مصلحة الصحــة في بلادنا أن نأخــذ بحُجَزِ الناس من الإهمــال والتفريــط إلى الوعــي والأخــذ بالأســـباب، لا أن ننتظـــر على أبــواب العيـــادات الخارجيـــة أو غرف الطوارىء، فليس أمامنا خيار في الاهتمام بالوقاية والتوعية. في انتظار "لحظة الهداية".

    ودمتم سالمين

    د. صالح بن سعد الأنصاري
    @Salihalansari
    مستشار الصحة العامة وخبير تعزيز الصحة
    المشرف على مركز تعزيز الصحة
    @SaudiHPC