حوار في مصنع أغذية

  • click to rate

    جلس "المستثمر" في جلسة تخطيط لإخراج "منتج غذائي" جديد بحضور كل من "مهندس الأغذية" و "المسوق القوي" والأستاذ "أبو ضمير".
    افتتح المستثمر الاجتماع بشرح الهدف من اللقاء قائلاً: تعرفون أن التنافس في السوق عالي، ونحن نريد إنزال منتج غذائي جديد يجذب المستهلك وبسعر منافس. وتعرفون ضرورة أن نجد أفضل عناصر الجذب مما يجعل المستهلك يعود مرارا وتكرارا ويطلب منتجنا الجديد دون غيره، وأن يتحمل المنتج تاريخ صلاحية طويل لسهولة التخزين وتحسين فرص التوزيع.
    مهندس الأغذية:
    أبشر سعادتكم، ولكل عنصر من عناصر النجاح فكرة، فمثلاً التنافس في السعر نحله بكميات المقادير ومراعاة الكلفة وسنوفرها بالأطنان وهذا أجدى وأوفر اقتصاديا. ومن حيث النوعية فهناك أنواع أرخص من المقادير بحيث نخفض سعر المنتج بشكل منافس حتى لو أردتم سعادتكم أن تدخل بالمنتج "سوق الريال الواحد" وهذا أيضا ممكن. أما مشكلة تغيير الطعم بعد بقاء المنتج على المخازن لفترة طويلة وحتى يطول تاريخ صلاحيته فليس أمامنا إلا اختيار الدهون بطريقة عملية فمن المعروف أن الزيوت المهدرجة تتحمل فترة طويلة دون أن "تحزِّر" ودون أن يتغير طعمها أو رائحتها. أما جاذبية الطعم فتحل باستخدام كميات "ملائمة" من السكر والملح والدهون. هذه المواد معروف أنها تسبب نوعاً من الإدمان ولها مستقبلات في الدماغ تجعل من يستهلكها أن يتعود عليها ويحب العودة إليها.
    المستثمر:
    ممتاز، أريد دراسة عن كميات المقادير والمواد الحافظة وأسعارها بالجملة، وكيف يمكن ضبط المعادلة بحيث يحسب السعر الإفرادي فبي نقاط التوزيع. ولا تنسوا أننا نحتاج إلى توفير هامش ربحي واضح لنا وللموزعين داخل السعر، ولا تنسوا كذلك أننا ضمن هذا الهامش نحتاج إلى حساب كلفة التسويق والنقل والتخزين بحيث يكون على حساب نفس المنتج ، ولا تعتمدوا على سمعة الشركة فقط.
    مهندس الأغذية:
     سم طال عمرك.
    الأستاذ أبو ضمير: من خبرة سابقة في مصنع مشابه وجدنا أن تحقيق كل هذه الشروط في المنتج الغذائي لا يمكن أن يتحقق إلا إذا تنازلنا عن الجودة، بل أني كنت أرفض أن تدخل بعض المنتجات الغذائية من نفس المصنع الذي كنت أعمل فيه إلى بيتي. لذا اقترح أن نفكر بطريقة مختلفة، ونقدم جودة عالية حتى لو زاد السعر على العميل النهائي، وهنا علينا بذل جهد في التسويق بطريقة توضح للمستهلك كيف نعمل على المحافظة على الجودة، ولماذا أسعارنا مختلفة.
    المستثمر: 
    أخي أستاذ أبو ضمير، تعرف ان السوق قاسي والتنافس شديد، وتعرف أن ليس من دوري كمستثمر أن أوعي المستهلك النهائي من جهة وأرفع عليه الأسعار من جهة اخرى. 
    مهندس الأغذية:
    أخي أبو ضمير، من خبرة وجدت أن السوق يستوعب مثل منتجنا وبسعر منافس، وخذها مني؛ ترى الناس إذا جاعت تأكل الموجود، وهنا دورنا ان نكون موجودين في أكثر نقاط التوزيع انتشارا. ومن المؤكد ان قطاع التسويق في الشركة أو شركات الإعلان التي نستعين بها ستجد مفهوما "كونسيبت" تسويقيا يجذب المستهلك. 
    المسوق القوي:
    أخي أبو ضمير، لا تقلق فبالإمكان استخدام تقنيات تسويقية قوية، وليس من المستحيل إقناع العميل النهائي بمنتجنا، لكن المهم أن يعمل الزملاء مع مهندس الأغذية على توسيع الهامش الربحي وإنتاج المنتج بأكبر كمية من المقادير وأرخصها. وتعرفون أن الشركات الناجحة تستثمر جزء كبيراً من الهامش الربحي في التسويق. وأفضل مثال على ذلك المشروبات الغازية، وسعة الهامش الربحي وقوة التسويق لأنهم يصرفون على التسويق بسخاء. وأنا أدعو سعادة المستثمر بالعمل على الاستفادة من أفضل الممارسات في هذا المجال.
    المستثمر:
    أخي المسوق القوي، سياسة الشركة عندي مبنية على أن يقوم كل منتج غذائي لوحده. يعني ما يمكن صرف ريال واحد للتسويق من أرباح منتج لصالح منتج آخر. وعلى فكرة كل منتجاتنا في السوق ماشية زي الحلاوة.
    أستاذ أبو ضمير:
    تعرف سعادة المستثمر! أنتا حاولنا في البيت عمل نوع من البسكويت بمقادير منزلية من عمل المدام، وكانت كلفة المقادير أربعة أضعاف لو اشترينا بسكويت بسعر السوق. والغريب أننا نسيناه في الدولاب لمدة طويلة، فما مرت بضعة شهر إلا ورائحته طالعة وطعمه مختلف. 
    المستثمر: 
    أنا واثق من قدرات الفريق الذي يعمل معي، وأنا واثق أيضاً من حاجة السوق وكثرة الطلب. ففي بلادنا العمل في مجال الأغذية مربح جداً.

    أما أنا، فأترك القارئ ليتأمل هذا الحوار، وأترك المستثمرين على هذا الحال إلى أن يتغير الوعي ويزيد الطلب على الأغذية الصحية.. وإلى أن يتحول المستثمرون إلى أفكار مختلفة في إدارة الأعمال في الصناعات الغذائية. وحتى ذلك الحين أقول لهم: أبشر بطول سلامة يا مربع.

    ودمتم سالمين.


    د. صالح بن سعد الأنصاري

    @SalihAlansari
    مستشار الصحة العامة وخبير تعزيز الصحة
    المشرف على مركز تعزيز الصحة بالرياض
    @SaudiHPC