"وضعية الشايب"

  • click to rate

    د. صالح بن سعد الأنصاري

    تحدثت ذات يوم في مجلس شبابي عن أهمية تعزيز الصحة الشخصية، وعن فكرة وسم قديم غردت فيه أسميته "وضعية الشايب"، فجاءت ردود الشباب بما يوحي بأن هذه الوضعية وللأسف منتشرة حتى بين الكثيرين ممن لا زالوا في "سن الشباب" وقد وصفت "وضعية الشايب" بأنها ‎"منطقة راحة" يضع الإنسان فيها نفسه أو يشجعه عليها المجتمع، تشمل ضعف النشاط البدني وتناقص الاعتماد على الذات، ومحدودية مسافات المشي، وتشمل كذلك المبالغة في قبول الخدمة من الآخرين.
    ومن ‎مظاهر هذه الوضعية التعود على أن يخدمه من هو أقل سنا، فتجدهم يقبلون رأسه ويخدمونه في أقل احتياجاته وتأتيه السيارة إلى مكانه ويمنعونه من حمل الأثقال، أو حتى المشي ولو لمسافة قصيرة،،، وهكذا. وقد تعرض مثل هذه "الخدمات" على صاحب هذه الوضعية، وقد يستمرئها هو فتصبح نمط حياة يومي. كما تتضح هذه الوضعية في النزهات حيث يقبع الأربعيني أو الخمسيني في مكان واحد وحوله "المعاميل" و"القدوع" ويأتيه الطعام إلى حيث يقبع، فتبدأ "التمشية أو الكشتة" وتنتهي دون مشي ولا تمشّي.
    وقد تشمل وضعية الشايب الاعتماد على الكرسي المريح والمخصص للشايب، ومنهم من يتعجل الصلاة على الكرسي لأسباب تتعلق بـالخمول والآلام وزيادة الوزن التي قد تكون هذه "الوضعية" نفسها سببا الصلاة على الكرسي وليس بسبب الأمراض. ومن أسباب انتشار وضعية الشايب خلطنا وقبولنا بمظاهر "العجز المبكر" من ناحية والفهم الخطأ لحقوق واحترام كبار السن من ناحية أخرى. وأحيانا تكون "وضعية الشايب" هذه امتدادا لاعتياد الخمول وقلة النشاط البدني من مراحل الطفولة والشباب، وامتدادا لسلوكيات من قبيل "جيبوا لي"..."وودّوني"..."قربوا لي" تنشأ من سن مبكرة.
    وتكمن خطورة وضعية الشايب أنها قد تستمر بقية العمر، معرًضة الإنسان لأخطار الخمول بكل كوارثه الصحية والنفسية والاجتماعية.‎ والمتقاعدون أكثر عرضة لهذه "الوضعية" وبشكل يستجد مع التقاعد لأسباب نفسية واجتماعية، وفي المقابل فقد يكون التقاعد والتفرغ فرصة للتخلص من هذه الوضعية، وأقرأوا إن ‎ شئتم مقالي "المشي والهايكنج وصحة المتقاعدين " الذي أعددته مع الاستاذ "فهد الغامدي" وقصة هروبه من وضعية الشايب (رابط المقال https://s7ty.com/blogs/4/29/-).
    وتتباين ثقافة المجتمعات في هذا الصدد. ففي بعض المجتمعات قد ينظر كبار السن إلى عرض الخدمة أو تقديم المساعدة على أنها إهانة أو اتهام بالعجز وعدم القدرة على الاعتماد على النفس. وقد يفاجأ من يقدم خدماته برفض فض أو غليظ.
    ويدرك ‎الكثيرون ما كان عليه أجدادنا، ويلمسون جوانب من الاعتداد بالنفس وعدم الحاجة للآخرين. يذكر الصديق العزيز د. عبد الله القويز حفظه الله عن والده (رحمه الله) أنه وعندما تجاوز التسعين من عمره واعتراه الضعف بقي يواصل سلوكه بالاعتماد على الذات ورفض المساعدة، وكان على من يحاول مساعدته أن يتوقع ويتحمل سماع كلمة "فاردز" (فارق). وفي المجتمع اليمني يستغربون الحديث عن الرجل في الستين بأنه ضعيف وصحته متدهورة، فيعترضون قائلين بأن الستيني في عرفهم ‎ "قدو جاهل" أي صغير السن وقد يكون لا يزال يتنقل بسهولة مع أغنامه في الجبال، وفِي المقابل يحتفل بعض شبابنا بوضعية الشايب مع نهاية الأربعينات.
    وتفيد بعض الدراسات بأنه قد يكون واردا أكثر أن تتحول إلى "وضعية الشايب" إذا كان نشاطك ونمط معيشتك وتغذيتك غير صحي حتى بدء الثلاثين. وسيضيف العمل والجلوس الطويل أمام "الشاشات" بأنواعها احتمالات أكبر لبدء واستمرار هذه الوضعية. 
    إن من شأن التوعية الصحية، والبدء المبكر في توعية الأطفال بالنشاط البدني مدى الحياة، ونشر ثقافة المشي والنشاط البدني وبشكل مؤسسي في المجتمع أن يحد من انتشار هذه الوضعية بين كل الفئات، وبشكل خاص بين فئة كبار السن المهددين بالأمراض المزمنة، وأن يخفف من عبء رعايتهم الصحية من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، والتي لاتزال هما يشغل بال المهتمين بالصحة والتنمية.
    مؤخرا، اقترحت جمعية الشيخوخة اليابانية، والمؤلفة من مجموعة من الأطباء وأساتذة الجامعات، تغيير عتبة عمر "الشيخوخة" ليصبح 75 عاما بدلا من 65 تماشيا مع نسبة التقدم في السن السائدة في البلاد أو ما يدعى حرفيا بعملية “إعادة تعريف الشيخوخة” ومن وجهة نظري فإن تبني مثل هذه التعريفات التوجهات لا يمكن أن يقدم الكثير في صحة المجتمع إذا انتشر بينهم الضعف والكسل ودخل الكثير منهم في "وضعية الشايب" في سن مبكرة.

    ودمتم سالمين
    د. صالح بن سعد الأنصاري
                                  @SalihAlansari
                  مستشار الصحة العامة وخبير تعزيز الصحة
    المشرف على مركز تعزيز الصحة @SaudiHPC بالرياض