صحة القولون وجرعة المشي

  • click to rate

     

    لم يدر في ذهني ولو لوهلة عندما كنت طالبا في كلية الطب أن أقرأ في دراستي للجهاز الهضمي أو أن يأتي يوم أقدم فيه للناس جرعة من المشي كدواء لمشكلات القولون، فالعلوم الطبية التي تعلمناها في كليات الطب كانت ولا زالت مبنية على العلاجات بشكل كبير ولا تعطي النمط المعيشي ومحاولة تغييره الاهتمام الذي يستحقه. وفي هذا المقال استعرض العلاقة بين المشي المنتظم وبين صحة القولون والوقاية من أمراض القولون ودوره في علاجها.
    مشكلات القولون (الأمعاء الغليظة) الأكثر انتشاراً هي مشكلات الإمساك و "القولون العصبي"، يليها التهاب القولون التقرحي، وسرطان القولون، إضافةً إلى الاضطرابات الأخرى الأقل تكرراً. ويعتبر مرض القولون العصبي أحد الأمراض النفسجسدية (PsychoSomtic) بامتياز، وله علاقة وثيقة بالحالة النفسية والمزاجية، وبنوعية التغذية وضعف النشاط البدني وزيادة الوزن. وينتشر القولون العصبي على مستوى العالم بنسبة تتراوح بين 10 و 20% من السكان، ويزداد في الدول الصناعية والدول التي تغيرت فيها أنماط التغذية نحو الأغذية المصنعة والأغذية السريعة. 
    ولمعرفة التغييرات التي نحدث في الجسم وتفسر كيف يمكن للانتظام في المشي أن يسهم في الوقاية من مشكلات القولون، وتخفي أعراض مشكلات القولون، دعونا نتخيل إعطاء القولون "جرعة مشي" يومية

    لنرى كيف تكون تحسن تلك الجرعة صحة القولون، وذلك على النحو التالي:
    •    يؤدي الانتظام في المشي إلى تحسين وصول الدم إلى العضلات اللا إدارية في جدار القولون من خلال تحسين الدورة الدموية القلبية الوعائية بشكل عام وزيادة حركة الأمعاء بإطلاق النواقل العصبية المُحسّنة لتدفق الدم مثل Vasoacitve Intestinal Peptide (VIP) مما يعني تحسين وتنظيم حركة القولون، إضافة إلى دور تدفق الدم في تزويد أنسجة القولون أنسجة القولون بالأوكسجين وتقليل الالتهابات ودعم وظائف القولون.
    •    نظيم إفراز هرمون البروستاجلاندين الذي يحث الحركة في العضلات اللاإرادية، و البروستاجلاندين هو المركب الذي يعطى للسيدات أثناء الولادة لإثارة عضلات الرحم وتسريع الولادة. هذا الهرمون يزيد إنتاجه مع الانتظام في المشي، مما يعني تنظيم حركة القولون مقارنةً بما يحدث لدى الخاملين. وهذا يعني أيضا أن حركة الأمعاء تعمل بشكل نشط يخلص الإنسان من فضلات الأكل وسمومه في ساعات بدل أن تبقى في القولون لعدة ايام، وبالتالي تقليل مشكلات الإمساك على المدى البعيد والذي يتكرر حدوثه لدى مرضى القولون العصبي.
    •    يؤدي المشي المنتظم إلى تحسين الشهية وضبطها والاقتراب إلى الوزن المثالي وبالتالي يجعل الجسم أقل عرضة لمشكلات القولون التي تزيد لدى زائدي الوزن. فالسمنة تزيد من خطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم من خلال تعزيز الالتهابات المزمنة، ومقاومة الإنسولين واختلال مستويات الهرمونات التي تُغذي نمو الخلايا السرطانية وقدرتها على البقاء. كما أن وجود المسنة يُعقّد ويصعّب جراحات سرطان القولون والمستقيم. إضافةً إلى ذلك ترتبط السمنة باضطرابات وظيفية أخرى في الجهاز الهضمي، ويُعدّ اتباع نظام غذائي نباتي، وممارسة الرياضة بانتظام، وإدارة الوزن استراتيجيات رئيسية للحد من هذه المخاطر.
    •    تحسن الحالة النفسية وتخفيف الضغوط الذي يصاحب الانتظام في المشي والتي عادة ما تصحب مشكلات القولون العصبي وتزيد من حدة أعراضه، فكثيراً ما ينصح مرضى القولون العصبي بالتعامل السليم مع ضغوط الحياة وتصريفها في نشاطات رياضية واجتماعية، وبتكوين الصداقات.
    •    يؤدي الانتظام في المشي إلى تحسين إفراز الهرمونات والإنزيمات المنظمة للهضم والامتصاص مثل السائل الصفراوي الكبدي وبالتالي تُحسن قدرة الأمعاء الدقيقة وعمل القولون على أداء وظائفه بامتصاص الماء والأملاح وبعض المواد الغذائية والتكوين الطبيعي للبراز.
    •    تقوية العضلات ونقص الوزن تتحسن قوة عضلات جدار البطن، مما يقلل الحيز الذي تتمدد فيه الأمعاء (الكرش) بكل محتوياتها.
    •    وفي حالات التهابات القولون التقرحية، فبالإضافة إلى التحسن الذي يحدث على عمل القولون يؤدي المشي المنتظم إلى التخفيف من ضعف كثافة العظام الذي يصحب حوالي 60% من حالات التهاب القولون التقرحي. كما يخفف التهاب المفاصل الذي يصاحب حوالي 20% من هذه الحالات إضافةً إلى قدرة المشي المنتظم على تحسين المزاج وتخفيف الضغوط التي يعتقد أنها تصاحب هذه المشكلة. كما أن النشاط البدني المنتظم مطلوب أكثر لحالات التهاب القولون التقرحي بشكل أكبر لأنهم أكثر عرضة للإصابة بسرطان القولون. ويسود اعتقاد لدى الأوساط المتخصصة أن التهابات القولون التقرحية هي جزء من الأعراض "الالتهابية" (Inflammatory Diseases) وأن الانتظام في النشاط البدني يقي عموماً من هذا النوع من الأمراض، أو يخفف من وطأتها. 

    وعند الحديث عن مقدار "جرعة" المشي تتحدث الدراسات عن أن 20-30 دقيقة من المشي المنتظم أو الرياضة تكفي للوقاية من مشكلات القولون وأعراض القولون العصبي. أما متى تتحسن أعراض القولون العصبي فمن المتوقع أن تتحسن الأعراض في جوانبها النفسية خلال مدة قصيرة نسبياً. وقد وجد أن مشكلات الآلام وتناوب الإسهال والإمساك يتحسن بمرور حوالي 3 أشهر من الانتظام في المشي، وذلك إضافةً إلى أن تحسن جودة الحياة لمن يعاني من القولون العصبي قد تحتاج مدة أطول من ذلك.

    ومن أجل نتائج أحسن لأعراض القولون ينصح بممارسة المشي على النحو التالي:
    •    يفضل توقيت المشي قبل الوجبات وعلى معدة فارغة وما لا يقل عن ساعتين بعد الوجبات.
    •    حاول المشي في نفس التوقيت كل يوم على أن "جرعة المشي" علاج ينبغي الانتظام في توقيت تناوله.
    •    ليكن المشي بعد فترات من الراحة والنوم مثل المشي فجراً وليس في نهاية يوم مجهد وذلك قدر الإمكان.
    •    هناك رياضات أخرى تحسن أعراض ومشكلات القولون كركوب الدراجة واليوجا والرياضات التأملية ورياضات الاسترخاء وضبط التنفس.
    •    الإكثار من الألياف الغذائية الطبيعية عموماً، ما عدا الحالات التي ينصح فيها الطبيب بالتقليل أو تحديد نوع معين أو بطبخها..
    •    الاطمئنان إلى نسبة فيتامين D وعلاج حالات نقص الفيتامين.
    •    الانتظام في شرب الماء.
    •    محاولة تنظيم توقيت التغوط يوميا وبالذات أول النهار مثلا، مع البعد عن تأجيل التغوط إذا "حان وقته"
    •    الاهتمام بفحص القولون بالمنظار وسؤال طبيبك عن الحاجة لذلك، خصوصاً في حالات الالتهابات التقرحية للقولون.
    ختاماً، إنه المشي، ذلك العلاج المنسي الذي أوصى به أبو الطب أبقراط قائلاً "المشي أفضل علاج للإنسان" فهو يحسّن جوانب أخرى كثيرة في صحة الإنسان. وهنا أعيد تغريـدة أطلقتهـا فـي تويتـر قلت فيها "لكـل دواء آثــاره الجانبيـــة السلبية، أمـا أن تأخــذ دواء لعلاج القولون العصبي فيكون من آثاره الجانبية اعتدال الوزن والنوم مثلا، أو تخفيف الضغوط النفسية….. إلخ. فهذا لا يحدث إلى في "جرعة المشي" 

    ودمتم سالمين
    د. صالح بن سعد الأنصاري

    @SalihAlansari
    مستشار الصحة العامة وخبير تعزيز الصحة
    المشرف على مركز تعزيز الصحة بالرياض
    @SaudiHPC