عن إبر التنحيف، قالوا وقلت

  • click to rate

     

    شاهدت مقابلة عن إبر التنحيف، هذا الأدوية المميزة والحديثة في مساعدة مرضى السكري والسمنة والتي أعطت نتائج ملموسة كما لم تفعل الكثير من الأدوية سابقا. ورأيت أن أعلق على بعض ما دار في المقابلة وأبدي أهم ملحوظات وتنبيهات عن استخدامها، ولخصت رأيي حول المقابلة في نقاط مختصرة، على النحو التالي:
    •    اتضح من عموم النقاش التحيز لاستخدام إبر التنحيف (على الملأ) وقبول فكرة أن يبقى بعض البدناء على هذه الأدوية مدى الحياة، وذلك بالإشارة الواضحة إلى التجربة الشخصية للطبيب الضيف الرئيس في المقابلة. ومن المؤكد أن التجربة الشخصية للطبيب ليست دليلا علميا ولا ينبغي الإشارة لها إيجابيا وعلى الملأ. ويصعب أن أتقبل الدعوة للاستمرار لسنوات طويلة على دواء عمره بضع سنوات في السوق، و يتوالى ظهور آثاره الجانبية من حين لآخر.
    •    لم تركز المقابلة على التعامل السلوكي مع الأمراض المزمنة رغم أنه مصير حتمي، ولابد من مواجهة هذه الحقيقة عاجلا أم آجلا، وهو ما لا يناقشه الأطباء عادة ولا يتقنون التعامل معه في ظروف العيادات. وللتصدي المؤثر لمشكلة السمنة على الأطباء الاقتراب أكثر من آليات التوعية وتغيير السلوك وتبسيط أسس الصحة الأيضية، وهذا أولى وأكثر أمنا من طمأنة الناس في الأدوية إلى أن يدرك الناس أثارها الجانبية وتتضح مضاعفاتها. والصحيح في مثل هذه الأدووية المستحدثة فالأطباء مطالبون بالاكتفاء بوصفها في الحالات الفردية في العيادات وليس بمثل هذا الطرح المتساهل في الفضاء العام. 
    •    كان الحوار بين طبيبين يحملان نفس الأفكار ويعزز أحدهما للآخر (أحدهما يرفع والآخر يكبس) في التوجه نحو استخدام إبر التنحيف. وكان الأجدى في مثل هذا النقاش إثارة الرأي والرأي الآخر ليكون الحوار أكثر عدلا ويصب في المصلحة ويدعم المفاضلة وترك حرية الاختيار للمستمع.
    •    لم يرد في المقابلة نقاش حول المضاعفات المكتشفة حتى الآن لإبر التنحيف، وهذا مطلوب ومعمول به في النشرات الطبية المطبوعة مع كل الأدوية. فقد كانت المقابلة "مطمئنة" بشكل غير منطقي، خصوصا وأنه من الممكن الحصول على هذه الأدوية دون وصفة طبية كما فهمت من أحد الطبيبين، ومؤخرا عرفت أنه يمكن الحصول عليها من خلال خدمات التوصيل.
    •    ركزت المقابلة على الآثار الإيجابية على تخفيف مضاعفات مرض السكري على القلب والكليتين. ولم يبين الزميلان في المقابلة أن هذه الآثار ليست بسبب تأثير الدواء عضويا على لأنسجة بل بسبب خفض الشهية وتقليل الشعور بالجوع وقلة الأكل وبالتالي إنقاص الوزن. وللتشبيه فإن مادة النيكوتين في التدخين قد تقلل الشهية لدى الكثيرين بشكل ملموس، وبالطبع لن ننصح بممارسة التدخين لخفض الوزن.
    •    من الآثار الجانبية الثابتة علميا والملموسة من قبل مستخدمي هذه الأدوية والتي لم تذكر في المقابلة فقد الوزن من الكتلة العضلية وهي من "أغلى الأنسجة" ويصعب تعويضها، ومنها الآثار الجانبية النفسية التي تصاحب فقد الشهية مثل فقد الاهتمام بأشياء أخرى مثل العلاقات وفقد السعادة بتفاصيل بسيطة مثل اللعب والتواصل، إضافة إلى الآثار الهضمية على المعدة والأمعاء. كما لم يرد الحديث عن تناقص التأثير تدريجيا والحاجة إلى رفع جرعة الدواء مع مرور الوقت، وعن احتمال عودة الشهية والوزن أو حتى أوزان أعلى بعد التوقف عن استخدام تلك الأدوية
    أما رأيي في استخدام هذه الأدوية الحديثة والمؤثرة هو أن يستثمر استخدامها مع الشروع في خطة واضحة لتغيير السلوكيات المؤدية للسمنة لكل مريض بحسب حالته وبشكل متدرج ومتزامن مع رفع أو إنقاص جرعات الإبر وتحت إشراف طبي ودعم معرفي وسلوكي، مثل تغيير كميات الأكل والنوعية أو التوقيت، أو التدرج في مزامنة الأدوية مع إدخال أنظمة الصيام المختلفة والبدء بالتدريج مع ممارسة المشي والنشاط البدني وبشكل مرحلي. والهدف من ذلك هو استثمار أثر إبر التنحيف في دعم تعديل أنماط الحياة خلال أسابيع أو أشهر وليس بأن يستمر استخدام الأدوية مدى الحياة بأي حال من الأحوال كما يفعل زميلنا الطبيب صاحب المقابلة، وربما قد يفعله الكثيرون. 

    ختامًا
    لقد آن لنا أن نراجع تصوّراتنا وثقتنا في التناول الدوائي المجرد في التعامل مع مشكلات تكمن جذورها في السلوكيات وأنماط الحياة أكثر من كونها اضطراب في التمثيل الغذائي أو بعفل الجينات، وعلى رأس هذه المشكلات السمنة، وقديما قيل "الحكم على الشيء فرع عن تصوره" وهنا يأتي دور المعرفة الحقيقية بالدور المحدود أو المؤقت للدعم الدوائي في التعامل أيضا مع بقية أمراض النمط المعيشي وليس بالاستمرار على أدوية مثل إبر التنحيف مدى الحياة.

    ودمتم سالمين

    د. صالح بن سعد الأنصاري

    @SalihAlansari
    مستشار الصحة العامة وخبير تعزيز الصحة
    المشرف على مركز تعزيز الصحة بالرياض
    @SaudiHPC

0 comments