من قلب العاصمة السعودية النشطة الرياض، إلى العاصمة الأوروبية تيرانا، شاركتُ في المؤتمر الخامس والعشرين لمنظمة Walk21، الذي عُقد في ألبانيا خلال الفترة من 6 إلى 10 أكتوبر 2025، تحت شعار عالمي وملهم: "حان وقت المشي". حيث قدمت ورقة علمية بعنوان: "تكوين مجموعات المشي كاستراتيجية لتعزيز عادات المشي في مجتمعات المملكة، ودول الخليج، والعالم العربي". وهذه مشاركتي الرابعة في هذا المؤتمر العالمي، بعد المشاركة في مؤتمري سيئول وإيرلاندا في عامي 2021 و 2022 (عن بعد) في ظروف جائحة كورونا، ثم المشاركة في المؤتمر 2023 حضوريا في رواندا. وقد كانت هذه الورقة بمثابة تلخيص لتجربتي في نشر ثقافة المشي، الفريدة في شكلها ومضمونها، والملهمة لما أحدثته من تأثير واسع النطاق في بيئات متعددة. وقد اخذت هذه المنظمة اسمها من سنة تأسيسها عام 2000وكانت تنظر إلى أن المشي سيكون بداية و له وضعه في عام 2000 فيما بعد أي مدخل الألفية الثالثة أي الألفية التي تبدأ من 2000 ميلادي ويرون أن المشي سيكون قضية الألفية القادمة بعد ان عانت البشرية من الكثير من مشكلات الخمول وضعف النشاط البدني والضغوط النفسية والتوتر وغيرها من المشكلات وبعد أن عانت المشاريع من سوء تخطيط المدن التي يسكن فيها أكثر من 80% من سكان العالم مقارنة بالبيئات القروية و هذا هو المؤتمر رقم 25 الذي يعقد بعد مرور 24 مؤتمراً سنويا كان آخره في لشبونة في البرتغال واليوم يعقد في في تيرنا العاصمة الألبانية للمرة الخامسة والعشرون على التوالي وعلينا أن نأخذ من هذا الاسم ضرورة الاهتمام بهذه الرياضة وعدم نشاط هذه الوسيلة للنقل ونعيدها لما كانت عليه قبل هذا التطور وقبل هذا الاضطراب الذي حدث في مدن العالم
مؤتمر Walk21: المشي كأولوية للتنمية الحضرية
شهد مؤتمر Walk21 هذا العام حضورًا عالميًا واسعًا، شمل قادة المدن، ومهندسي التخطيط الحضري، والباحثين، والمهتمين بالشأن المجتمعي من 68 دولة. وكان الافتتاح بحضور رئيس وزراء ألبانيا د. إيدي راما، التي كان الأبرز في كلمته أن: "الحكومة عملت على مدى سنوات طويلة لتجعل من المشي وسيلة التنقل الأولى، تليها الدراجة الهوائية، ثم وسائل النقل العام، وأخيرًا السيارة الخاصة. وفي حفل الافتتاح أيضا شاركت الأستاذة ثورنتون، المديرة التنفيذية لمنظمة Walk2، برسالة مهمة تقول فيها: "لا يكفي أن نتحدث عن المشي لمن يحبونه، بل يجب أن نصل برسالتنا إلى أولئك الذين لم يكتشفوا بعد قيمة هذه العادة البسيطة والمغيّرة للحياة". أما السيد جيم ووكر، مؤسس منظمة Walk21 فقد تحدث باعتزاز عن المسيرة الطويلة للمنظمة. فبعد مرور 25 عام من تأسيسها، نحتفل بمؤتمر Walk21 في تيرانا بمشاركة غير مسبوقة من دول العالم، ولأول مرة نحظى بحضور رئيس وزراء، ونتلقى المنظمة دعوات متزايدة من عواصم من مختلف القارات لاستضافة الدورات المقبلة."
تجربة مدينة تيرانا: المشي للجميع
في أحد اللقاءات، سُئلت عمدة مدينة تيرانا: كيف نجحتم في تحويل المدينة إلى بيئة ملائمة للمشي؟ فأجابت: "بدأنا من تصور واضح لفئات المجتمع التي لا تملك أو لا ترغب بامتلاك سيارة، وركزنا على تطوير البنية التحتية للمشي، والدراجات، والنقل العام. جعلناها أولويتنا في التخطيط الحضري لتلائم هذه الفئة، ومن هنا انطلقنا." وهذه الرؤية أعادت إلى ذهني مثالًا مهمًا من مترو الرياض ودوره في دعم المشي من بين وسائل المواصلات ليكون وسيلة ممارسة وآمنة. فقد جاء في إحدى الأوراق من حيث تشير الإحصاءات إلى أن 90% من ركاب مترو هامبورغ الألمانية يذهبون إلى المحطة مشيًا و50 % من وقت الرحلة يكون باستخدام النقل العام يُقضى في المشي بين المحطات. ولذلك، يُنظر في مؤتمرات Walk21 إلى المشي على أنه "الغراء" الذي يربط أنظمة النقل ببعضها، ويجعل المدن أكثر كفاءة وعدالة وإنسانية.
مجموعات المشي: استراتيجية مجتمعية فاعلة
في ورقتي العلمية، استعرضتُ تجربة مجموعات المشي في المملكة ودول الخليج كنموذج ناجح لتعزيز هذه العادة الصحية في المجتمع. فالمشي الجماعي ليس فقط وسيلة لتحسين اللياقة والصحة البدنية، بل أيضًا أداة لربط الناس بمحيطهم، وبناء علاقات اجتماعية صحية، وتعزيز الانتماء المجتمعي، وقد كانت مشاركتي في هذا المؤتمر العالمي، وتمثيلي لتجربة "مشاة الرياض"، محطة مهمة أرجو أن تُسهم في إثراء الحوار العالمي حول المشي، وتحفيز المبادرات المجتمعية في وطننا العربي، لأن "حان وقت المشي" بالفعل.
التخصصات المغيب فيها المشي كقضية متعددة الأبعاد
في سؤال وجّهته إلى مؤسس المنظمة، السيد جيم ووكر، حول قلة مشاركة المتخصصين في الاجتماع، والصحة النفسية، والاقتصاد في المؤتمر، أجاب بأن الأمر يعود إلى أولويات الجهات المستضيفة، لكنه أكد أن المشي قضية متعددة الزوايا، ويجب أن تُناقش من مختلف التخصصات لما تحمله من أبعاد اقتصادية، اجتماعية، صحية، وبيئية.
لقاءات معرفية ومسارات مشي ملهمة
عقدت فعاليات المؤتمر العلمية و الاجتماعية المسائية في ثمانية مواقع مختلفة من مدينة تيرانا ما بين ورش العمل واللقاءات العلمية العامة لجلسات العلمية العامة والنشاطات الاجتماعية ونشاطات المشي الجماعي في مدينة تيرانا وتنقلا بين معالمها التاريخية وبين اللقاءات الاجتماعية المسائية وكل ذلك كان يحمل ثوب مشيا على الاقدام حتى داخل اللقاءات الصباحية العلمية كانت المهلة أو الاستراحة التي تقدر بحوالي 30 دقيقة كانت نتيجة للانتقال من مكان إلى مكان حيث كان المشي جزء من الحركة والنشاط اليومي وجزء من البرنامج العلمي نفسه في هذه المؤتمر .
على هامش المؤتمر، لم أفوّت الفرصة لممارسة المشي في مدينة تيرانا، خاصة عند بحيرتها الشهيرة، حيث كانت جولات المشي اليومية في ساعات الفجر تجربة مفعمة بالهدوء والتأمل. كما تنقلنا يوميًا بين هرم تيرانا حيث الورش والعروض التخصصية، وجامعة الفنون حيث الجلسات العامة، بالإضافة إلى الأنشطة المسائية التي جابت شوارع المدينة مشيًا على الأقدام
خاتماً
المشي ليس ترفًا، بل حاجة إنسانية، ووسيلة متاحة للجميع، وهو ما يجعل منه أداة قوية للتغيير الصحي والاجتماعي والبيئي.من قلب العاصمة الألبانية تيرانا، أوجّه دعوتي لكل من يعمل في الحقل الصحي، المجتمعي، والتخطيطي، اجعلوا المشي جزءًا من رؤيتكم التنموية مستفيدين من التجربة العالمية العريضة، فالمشي ليس مجرد نشاط بدني، بل وسيلة حضارية لبناء مدن صحية، متصلة، وعادلة للجميع.
وقد خرجت من مؤتمر Walk21 في تيرانا، حاملا كثيرًا من الخبرات والقصص والتجارب التي تلهم العمل المجتمعي وأتطلع إلى أن نراها تتحقق على أرض الواقع في مدننا العربية قريبًا.
ودمتم سالمين.
د. صالح بن سعد الأنصاري
@SalihAlansari
مستشار الصحة العامة وخبير تعزيز الصحة
المشرف على مركز تعزيز الصحة بالرياض
@SaudiHPC