المشي معا قد يساعد في حل النزاعات الشخصية
تصور هذا: أنت وشريك حياتك أو صديقك المفضل أو زميلك في المكتب كنتم تتجادلان لعدة أيام. ولم تنفع كل محاولاتك في الجلوس ومناقشة النزاع. أخيرا، تقترح الذهاب معا للمشي.
عندما تتجولان جنبا إلى جنب ستشعر أن شيئا من توتر الأيام القليلة الماضية قد بدأ في التلاشي وبدون التفكير في الأمر، يبدأ كل منكما في مزامنة تسارع خطواتكما. وعندما تبدآن في الحديث عن مشكلتكما وأنتما تمشيان معا ستشعر فجأة بأن أفكارك تسبقك بخطوة أيضا، بينما منذ بضع ساعات كانت جهودك لإنهاء النزاع في حالة جمود تام، أما الآن فقد وصلتما أخيرا إلى المضي قدما نحو الحل.
لقد لعب هذا السيناريو عدة مرات في حياتي. وتقول الباحثة كريستين ويب الدكتورة وزميلة ما بعد الدكتوراه في علم النفس في جامعة إيموري أنها لاحظت ذلك أيضا. وفي الواقع العملي، وهذا ما دفعها الى كتابة مقالة مثيرة للتأمل حول "المشي وحل النزاعات" في مجلة "عالِم النفس" الأمريكية العام الماضي. وجاء في المقال "عندما تسير مع شخص ما، تشعر فقط أن اندفاعكما نحو الأمام ليس جسديا بحتا، بل نفسيا أيضا". "وسرعان ما تبدأ في الشعور بأنك على اتصال أكثر بالشخص الآخر"
المضي قدما معا
لاحظت الدكتورة ويب بأن وصفنا للحالات العقلية يمكن أن يكشف عن هذه الحالة من النزاع العنيد الذي غالبا ما يشكل حاجزا يردك عن الحركة ويبقيك ثابتا في "الموقف" ولا تحب التحرك عنه ولديك "شعور بالتماسك" و "لا تتزحزح". وفي المقابل غالبا ما يشكل التوافق على المشي معا توافقا على التقدم إلى الأمام في العلاقة. فنحن نتحدث عن "المشي قدما" و "وضع النزاع خلفنا" و "تجاوز" الخلاف". وتشير الأدلة إلى أن هذه التعبيرات الشائعة تؤدي إلى التبصر في أمر هام: فعندما تكون غارقا في نزاع ما مع أحدهم، فإن الذهاب في نزهة معا قد يساعدكما في تخفيف الشعور بالعجز والمضي قدما في حل خلافاتكما.
المشي كتفا بكتف
إحدى مزايا الذهاب في تمشية مقارنة بالجلوس على الطاولة متقابلين، هو أنك تقف جنبا الى جنب. تقول الدكتورة ويب "عندما نمشي معا فإننا نواجه العالم معا، وأعتقد أن هذا الموقف يساعد على وضع الناس في عقلية تعاونية" ومن المثير للاهتمام، أن هذه الملاحظة تظهر أيضا في لغتنا. تعرِّف مريام ويبستر فكرة "كتفا بكتف" بأنها "الترابط معا للوصول الى هدف مشترك". وبالمقارنة، غالبا ما تأخذ المفاوضات التي تجري وجها لوجه نبرة أكثر تصادمية، وتعرف مريام ويبستر "اتجاه القدم مع اتجاه القدم" على أنها "التعاون على ركل الخلاف ونبذه بعيدا".
الإحساس بالخطوات
أظهرت الدراسات أن الأشخاص الذين يسيرون بجانب بعضهم البعض يميلون بطبيعة الحال الى تزامن تحركاتهم. وفي الواقع، هذا الاتجاه متأصل بعمق. فقد لوحظ أن حتى أن الكلاب تقوم بمزامنة نشاطها عند المشي مع أصحابها وتتحرك عندما يتحرك أصحابها وتتوقف عندما يتوقفون وتحدق معهم في نفس الاتجاه. وقالت الدكتورة ويب "تشير الأبحاث الى أن هذا النوع من التزامن الجسدي يمكن أن يؤدي إلى التزامن العاطفي أو المعرفي". وعلى وجه التحديد قد يؤدي تنسيق الحركات مع شخص اخر إلى تعزيز الشعور بالارتباط والتحفيز للمساعدة، بالإضافة الى الإعجاب بالشخص الآخر أكثر. هذه المشاعر بدورها تمهد الطريق لمزيد من التعاون.
الآن نحن في مكان ما
ارتبط المشي بالتفكير المتوسع والإبداعي الذي يحل المشكلات بتوليد حلول متعددة والخروج بأفكار جديدة. ففي إحدى الدراسات قام المتطوعون بمهام إبداعية أثناء وقوفهم في مكانهم أو السير في وضع ونمط معين أو المشي بحرية. فقد أدى المشي إلى التفكير المتوسع بشكل أفضل مما حدث في وضع الوقوف ساكنا. كما ظهر أن المشي في مسار حر كان أكثر فعالية من اتباع مسار محدد مسبقا. والتفكير المتوسع أثناء المشي قد يساعدك أنت وشريكك على طرح أفكار جديدة لحل النزاع. وفي الوقت نفسه يساعد المشي أيضا على زيادة المشاعر الإيجابية وتقليل الإجهاد. وهما طريقتان أخريان أيضا تؤديان الى صنع عقلية تساعد على التعايش.
نصائح للمشي والتحدث
• اتخذ الخطوة الأولى بسؤال الشخص الآخر لينضم إليك في المشي. فإذا قبل دعوتك فقد حققت تقدما. تقول الدكتورة ويب "موافقة الشخص على عمل شيء ما معا هو شيء خارج الصراع". وهذه الموافقة تؤكد حقيقة بقاء الطرفين "ضمن الفريق"
• اختر موقعا أقرب إلى المشي في الطبيعة. فإذا كان هذا مناسبا فسوف تحصلان على خصوصية أكثر وانشغال أقل وعدد أقل من العوائق للتنقل في أنحاء شتى أكثر من وجودكما على رصيف مزدحم في المدينة، وهذا سيسهل من مطابقة مشيتكما، بالإضافة إلى ذلك هناك أدلة على أنه مجرد وجودكما في الطبيعة قد يشجع على تفاعل أكثر إيجابية. فقد أظهرت إحدى الدراسات أن المشي لمسافة 20 دقيقة عبر حديقة ساعد الأمهات والبنات على التواصل بشكل أفضل مقارنة بالمشي في مركز تسوق.
• حافظ على السرعة بما يكفي للسماح بإجراء محادثة سهلة، فبإمكانك الحصول على تمارين تحسن صحة قلبك في وقت لاحق. تقول الدكتورة ويب " إذا كنت تهرول، فربما تتعب من التنفس وتتوتر جسديا. وإذا كنت ترقص فقد تحتاج الى التركيز على الخطوة التالية. أما المشي فهو شيء عملي فعلا عندما تريد التحدث عن شيء ما".
• لا تتحرج من أن تمشيان معا بصمت إذا كان ذلك أكثر راحة. تقول ويب " العديد من فوائد المشي ليست بالضرورة متعلقة بتبادل اللغة". كما أن الطرفين يمكن يتفاعلان لمرة أخرى مع بعضهما البعض ولو من دون الحديث، لذلك فإن المشي فقط جنبا الى جنب يمكن أن يكون مفيدا حقا"
ترجمة: سارة عبد الله
رابط المقال:
https://www.psychologytoday.com/us/blog/minding-the-body/201806/conflict-in-your-relationship-try-taking-walk-together
ودمتم سالمين
د. صالح بن سعد الأنصاري
@SalihAlansari
مستشار الصحة العامة وخبير تعزيز الصحة
المشرف على مركز تعزيز الصحة بالرياض
@SaudiHPC