قصة رشدي عثمان "زبادي ومشي"
لزعماء المافيا جملة غريبة يستخدمونها في المفاوضات التي لا تحتمل المماطلة، فقولهم "سأعطيك عرضاً لا يمكن رفضه"، معناً وببساطة إما أن تقبل العرض او تموت، أهدتني السمنة عرضاً مماثلاً: "إما أن تتخلص مني أو تموت" ثم كان المشي منقذي من هذا العرض القاتل، فأعطاني عرضاً آخر لا يمكن رفضه: "جربني ولن تندم"
بالنسبة لي كان فيلم 23 ساعة ونصف الذي ترجمه ودبلجه د. صالح الأنصاري في مركز تعزيز الصحة هو المطرقة التي هوت على صندوق أعذارى فدمرته، ولم تترك لي عذرا واحداً صالحا. فنحن نحتفظ بأكبر صندوق أعذار في عقولنا، نقتبس من هذا الصندوق ببراعة شديدة عندما نُطالب بالاهتمام بصحتنا أو التخلص من عاداتنا السيئة.
قصة فيلم:
حاربت السمنة عدة مرات وقرأت عنها عدة كتب، فمنذ 6 سنوات خسرت ما يقارب 40 كيلوجراما من وزنى باتباع نظام غذائى قاس مع مشى، ثم استعدت هذا الوزن وأكثر لأني أخطأت خطأ جوهريا حين اعتمدت نظاما غذائيا قاسيا ونظاما رياضيا له مدة صلاحية، فبمجرد وصولي للوزن المنشود عدت للأكل السيء وتوقفت عن المشي. كانت تجربتي تلك مجرد انتباهه وليس وعيا. وكان هدفي ظاهريا وليس جوهريا. رسخت التجربة في ذاكرتي جيدا، وتعلمت أن إنقاص الوزن ليس مستحيلا، إلا أن له متطلباته وله شروطه.
بعد تلك التجربة، انشغلت بالعمل والزواج والأولاد، ومع الوقت كان صندوق أعذاري يتضخم بشكل مهول، ومعه يتضخم محيط خصري، ويرتفع معدل ضغط الدم لدي. كان ذلك الارتفاع بوتيرة و"حماس" لا يقل عن حماسي فى تناول الوجبات السريعة، فوصل وزني إلى 167.5 كجم.. كان الاحباط يقتلني والاكتئاب يدمرني جسديا ونفسيا.
شاهدت فيلم 23 ساعة ونصف، شاهدته بتركيز واعدت مشاهدته أكثر من مرة.. هنا أسقط فى يدي حقا، لم تصلح كل أعذاري لدحض هذا المنطق..
الفلم يعرض عرضا لا يمكن رفضه أبدا، خذ من يومك 23 ساعة ونصف لعملك ونومك وأهلك وكل نشاطاتك، الهام منها والتافه وأعطني فقط نصف ساعة من المشي الجاد وسأهبك في مقابلها صحتك وتحسين قوامك وقوة قلبك وخفض ضغط دمك!! .. إلخ. فقلت: أي مجنون يرفض عرضا مثل هذا؟
أمراض وحبوب!
بطبعي أعشق البساطة وأكره التعقيد، أحب الحلول الوسطية التي ترضي كل الأطراف، استهواني الفيلم بشدة، وعرفت أن هذا مفتاحي، لا أدعى أنى بدأت مباشرة بعد مشاهدتي للفيلم، بل احتجت إلى "صفعات توقظني أكثر". كان معدل ضغط دمي قد وصل إلى 190/120، والصداع لا يفارقني، وكنت أشعر بالإجهاد من أقل مجهود. وأطباء الباطنة يصفونني بالجنون بسبب أرقام ضغطي، لكن للأسف لم يقدموا لي شيئاً أكثر من الحبوب وكانت "الصفعة" الأخطر عندما اكتشفت بدايات تشحم الكبد .. كل هذا وعمري لم يتجاوز 33 عاماً!! قلت لنفسي: أين تسير ؟ انت حرفيا تنتحر.
لذلك رميت كل الحبوب التي أعطاني إياها الأطباء واشتريت حذاء رياضيا من ماركة جيدة، فقد قرأت هذه النصيحة في تغريدات الدكتور صالح الأنصاري على تويتر @SalihAlAnsari، ارتديت الحذاء ونزلت من البيت، مشيت بجوار البيت فى خط مستقيم لمدة 15 دقيقة ثم عدت.
ثلاثون دقيقة كانت هى بداية مشوار امتد عشرة أشهر. حتى الآن خسرت فيها 55 كيلو جراما من وزني..
ثلاثون دقيقة صارت عادة يومية وظلت تتمدد، وتتمدد كثيرا فى الواقع حتى وصلت فى إحدى المرات إلى خمس ساعات متواصلة من المشي، مشيت فيها من مدينة بريده الى مدينة عنيزة، وعندما سألوني لماذا؟ لم أجد جواباً إلا أن قلت.. لأني أحب المشي!!
لماذا عشقت المشي؟
لم أجد كعطاء المشي، فهو ليس مجرد نشاط بدني جيد، هو علاج روحي ونفسي لا مثيل له، يتهمونني حاليا بالتعصب الشديد للمشي، والحق أني فقط مجرد شخص يحسن رد الجميل. فقد أنقذني المشي يوم كانت كل الانشطة البدنية مستحيلة بسبب وزني. أنقذني المشي يوم كان وقتي ضيق وأشغالي كثيرة. فكنت أخرج بلباس الدوام وحذائي الرياضى الذي لا أخلعه أبدا، أخرج من الدوام إلى المضمار. أنقذني المشي يوم لم أجد مالا للاشتراك فى نادي رياضي، أنقذني المشي حين فرغ عني يوميا كل أثقال وضغوط الحياة.. لم يطلب مني المشي حفظ التمارين والتركيز فى التكرارات والتنبه من الأداء الصحيح، فقد كان المشي أبسط من كل هذا..
حذاء رياضي وطريق ممهد..
أما ما اعطاني فى المقابل فلا أستطيع حصره، ليس مجرد 55 كجم خسرتها من وزني، بل تحسنت نفسيتي بشكل مهول، صرت أنظر إلى الحياة بإيجابية كبيرة، مجرد معرفتي أني كلما تضايقت مشيت، يجعلني أتحمل أقسى الظروف والضغوط. هذا ما لن تفهمه إلا إذا جربته.!
كيف فعلتها؟
لو طلبت مني ان اختصر تجربتي فى نصيحة واحدة فستكون " غير افكارك". وللدكتور صالح الأنصاري مقولة جميلة تقول "أكثر عضو يحتاج حمية هو المخ لأنه هو السبب فى كل ما وصلنا اليه"، وأذكرك ان ما حفزني للبدء كان فكرة ..
هذه هي الأفكار التي قمت بتغييرها والتي أدين لها بعد الله بنجاحي:
لا تتــــردد: ابدأ بما هو متوفر وما تستطيعه وما تسمح به ظروفك واستمر. فالاستمرار سر النجاح.
لا مستحيل: امسح كلمة المستحيل من رأسك، فكل شيء ممكن إذا توافرت الإرادة والرغبة الحقيقة.
أحب نفسك: أكبر مشاكل البدناء أنهم يكرهون أنفسهم وأجسادهم. فتخلص من هذا التفكير السقيم.
لا تتعجـــل: الصبر ثم الصبر ثم الصبر.. لا تقل في كم سأخسر وزني؟ بل قل في كم من الوقت سأستطيع التخلص من تلك
العادات الخاطئة؟
إذا استطعت أن تتخلص من عاداتك الغذائية الخاطئة، سيصبح الموضوع مسألة وقت لا غير. فالنظام الغذائي ليس ورقة تلتزم بها. قد يفيدك هذا نفسيا لفترة لا أنكر، لكن ما يفيدك دائما هو البدء بتغيير عاداتك الغذائية.
إن أي نظام غذائي قائم على الحرمان أو يشعرك بالجوع مصيره الفشل.
ثقف نفسك غذائيا ورياضيا.. تابع المتفائلين والناجحين..
والأهم: امش كل يوم، فالمشي يقدم لك عرضاً لا يمكن رفضه.
انتهت قصة رمزي عثمان، زبادي ومشي
ودمتم سالمين
د. صالح بن سعد الأنصاري
@SalihAlansari
مستشار الصحة العامة وخبير تعزيز الصحة
المشرف على مركز تعزيز الصحة بالرياض
@SaudiHPC